القصة الكاملة وراء أخطر جاسوسة
ذكرى أكتوبر، ستظل تحمل في ثناياها كثير من البطولات التي خلدها التاريخ بعضها عرفناه والبعض الآخر ما زال في طي الكتمان
وفي هذا السياق كان للمخابرات العامة المصرية دور كبير في حرب أكتوبر ومن أشهر ملفات المخابرات هو ملف هبة سليم او الجاسوسة هبة سليم
اسمها بالكامل هبة عبد الرحمن سليم عامر (وفاة 1974) تعتبر أخطر جاسوسة تم تجنيدها من قبل الموساد أثناء دراستها بالعاصمة الفرنسية باريس، نجحت في تجنيد المقدم مهندس الصاعقة فاروق عبد الحميد الفقي الذي كان يشغل منصب مدير مكتب قائد سلاح الصاعقة العميد آنذاك نبيل شكري ورئيس الفرع الهندسي لقوات سلاح الصاعقة في بداية السبعينيات، وقد أمدها بمعلومات سرية جدًا عن خطط الجيش الدفاعية ولا سيما حائط الصواريخ التي كانت تحمي العمق المصري. تم إنتاج فيلم الصعود إلى الهاوية والذي تستند أحداثه إلى قصتها. قام بالقبض عليها رفعت جبريل لتكون بذلك أشهر قضية عمل بها.
نشأتها
عاشت هبة حياة مرفهة، في بيت أسرتها الفاخر الكائن في ضاحية المهندسين الراقية، تقضي معظم وقتها في نادي “الجزيرة” الشهير، وسط مجموعة من صديقاتها اللائي لم يكن يشغلهن حينذاك سوى آخر صيحات الموضة. لم تكن هبة قد تجاوزت العشرين من عمرها عندما وقعت نكسة،1967 وكانت قد حصلت على شهادة الثانوية العامة، في عام 1968 ألحت على والدها الذي كان يعمل وكيلا لوزارة التربية والتعليم، في السفر إلى باريس لإكمال تعليمها الجامعي، وأمام ضغوط الفتاة، وافق الأب من دون أن يخطر على باله ولو للحظة واحدة، ما سوف تتعرض له ابنته في فرنسا، في البداية كانت تسعى للحصول على وظيفة لدى السفارة المصرية في باريس ولكنهم رفضوا توظيفها وحاولت لدى الملحق العسكري وقوبل طلبها بالرفض.
قصة تجنيد الموساد لها
جمعتها مدرجات الجامعة بفتاة يهودية من أصول بولندية وأعطتها زميلتها البولندية فكرة عن الحياة في إسرائيل وأنهم ليسوا وحوشا وأنهم يكرهون الحرب وأنهم يريدون فقط الدفاع عن مستقبلهم ومستقبل أجيالهم القادمة ويريدون الأمان، وتم تجنيدها لصالح المخابرات الإسرائيلية.
وقد كان لها استاذ بالجامعة فرنسي الجنسية.اقنعها بالالتحاق بجامعة السوربون بفرنسا لاكمال دراسة اللغة الفرنسية.وقال لها انه سوف يسهل لها الاجراءات. وقد كانت هذه هي نقطة البداية.
وقد كانت من الذكاء.ان استطاعت بنشاطها في فرنسا ان تمد مدة اقامتها من بضعة اسابيع للدراسة إلى عامين كاملين. وفي هذه المدة تم تجنيدها للموساد تدريجيا. حيث كانت فرنسا في هذا الوقت مليئة بعناصر الموساد السرية.
في أول أجازة لها بمصر كانت مهمتها الأساسية تنحصر في تجنيد فاروق الفقي الذي كان يلاحقها ووافقت علي خطوبته وبدأت تسأله عن مواقع الصواريخ الجديدة التي وصلت من روسيا. كانت ترسل كل المعلومات الي باريس واستطاعت تجنيده ليصير عميلاً للموساد وتمكن من تسريب وثائق وخرائط عسكرية بها منصات الصواريخ "سام 6" المضادة للطائرات.
روت هبة ذات يوم لضابط الموساد الإسرائيلي عن المقدم مهندس فاروق عبد الحميد الفقي الضابط في الجيش المصري ، ومطارداته الساذجة لها في أروقة النادي ولا يكف عن تحين الفرصة للانفراد بها. .وإظهار إعجابه الشديد ورغبته الملحة في الارتباط بها. لقد ملت كثيراً مطارداته لها من قبل في النادي وخارج النادي، وكادت يوماً ما أن تنفجر فيه غيظاً في التليفون عندما تلاحقت أنفاسه اضطراباً وهو يرجوها أن تحس به. ولكنها كانت قاسية عنيفة في صده. تذكرت هبة هذا الضابط الولهان، وتذكرت وظيفته الهامة في مكان حساس في القوات المسلحة المصرية.
كاد الضابط الإسرائيلي يطير من الفرح بذلك الصيد الثمين وقد تغيرت الخطة، فبدلا من أن ينحصر دور هبة في اللعب بأدمغة الطلاب العرب الذين يدرسون في الجامعات الفرنسية المختلفة بات من الممكن أن تلعب دورا أكبر وأهم، ولم يضيع ضابط الموساد وقتا ولم تمر سوى أيام معدودات حتى رسم لها خطة لاصطياد فاروق وتجنيده بأي ثمن، حتى لو كان هذا الثمن هو خطبتها له.
في أول أجازة لها بمصر. كانت مهمتها الأساسية تنحصر في تجنيده.وراحت تتردد على نادي الجزيرة مجددا، وتسأل صديقاتها الذين تعجبوا كثيرا لآرائها المتحررة للغاية عن فاروق الذي ظهر بعد فترة قليلة غير مصدق أن الفتاة التي طالما تمناها لنفسه تبحث عنه.
كان فاروق دائم التغيب لفترات، وكانت تلك الفترات فرصة لشجار مفتعل تمكنت من خلاله هبة أن تحصل على بعض المعلومات الأولية عن طبيعة عمل خطيبها العاشق وكانت المفاجأة التي لم تتوقعها أنه يخرج في مهمات عسكرية على جبهة القتال، لتنفيذ مواقع جديدة لصواريخ حصلت عليها مصر سرا من روسيا، سيكون لها دور فعال أثناء حرب أكتوبر 1973
وبدأت تدريجياً تسأله عن بعض المعلومات والأسرار الحربية.وبالذات مواقع الصواريخ الجديدة التي وصلت من روسيا.فكان يتباهى أمامها، ويجيء بها بالخرائط زيادة في شرح التفاصيل.
كان فاروق يشعر أمام ثقافة هبة الفرنسية الرفيعة ووجهات نظرها شديدة التحرر بنقص شديد، راح يعوضه بالتباهي أمامها بأهميته ويتكلم في أدق الأسرار العسكرية، وهبة من جانبها تسخر مما يقول حتى كانت المفاجأة التي لم تتوقعها ذات يوم، عندما دعاها إلى بيته وتحدث معها في أدق الأسرار العسكرية قبل أن يفاجئها بعدد من الخرائط العسكرية الخطيرة التي كان يحملها في حقيبة خاصة، ويشرح لها بالتفاصيل أماكن المواقع الجديدة.
أرسلت هبة ما حصلت عليه من معلومات من فاروق إلى باريس حيث ضابط الموساد الذي يتولاها برعايته وأرسل هذه المعلومات من فوره إلى تل أبيب التي سرعان ما توصلت إلى صحة هذه المعلومات وخطورتها فطلبت من رجلها في فرنسا أن يوليها اهتماما كبيرا، باعتبارها عميلة فوق العادة.
كان جهاز المخابرات المصري يبحث عن حل للغز الكبير، والذي كان يتمثل في تدمير مواقع الصواريخ الجديدة أولاً بأول بواسطة الطيران “الإسرائيلي”، وحتى قبل أن يجف البناء وكانت المعلومات كلها تشير إلى وجود “عميل عسكري” يقوم بتسريب معلومات سرية جداً إلى “إسرائيل”.
خطة القبض عليها
رسمت المخابرات المصرية خطة برئاسة الفريق أول رفعت جبريل من أجل احضار هبة إلى مصر وعدم هروبها إلى إسرائيل إذا ما اكتشفت أمر خطيبها المعتقل، وكانت الخطة تتضمن أن يسافر اللواء حسن عبد الغني ومعه ضابط آخر من جهاز المخابرات إلى ليبيا لمقابلة والدها الذي كان يشغل وظيفة كبيرة في طرابلس، وإقناعه بأن ابنته هبة التي تدرس في باريس تورطت في عملية خطف طائرة مع منظمة فلسطينية، وأن الشرطة الفرنسية على وشك القبض عليها، وما يهم هو ضرورة هروبها من فرنسا لعدم توريطها، لذا يجب السعى لخروجها من فرنسا لمنع الزج باسم مصر في مثل هذه العمليات الارهابية، وطلب الضابطان من والد هبة أن يساعدهما بأن يطلبها للحضور لرؤيته بزعم أنه مصاب بذبحة صدرية.
أرسل والد هبة برقية عاجلة لابنته فجاء ردها سريعا ببرقية تطلب منه أن يغادر طرابلس إلى باريس، حيث إنها حجزت له في أكبر المستشفيات هناك، وأنها ستنتظره بسيارة إسعاف في المطار، وأن جميع الترتيبات للمحافظة على صحته قد تم اتخاذها. ولكي لا تترك المخابرات المصرية ثغرة واحدة قد تكشف الخطة بأكملها. فقد تم إبلاغ السلطات الليبية بالقصة الحقيقية، فتعاونت مع الضابطين من أجل اعتقالها. قامت المخابرات الليبية بحجز غرفة في مستشفى طرابلس لوالدها وإفهام الأطباء المسؤولين مهمتهم وما سيقومون به بالضبط.، أرسل والدها مجددا لابنته يخبرها بعدم قدرته على السفر إلى باريس لصعوبة حالته. وبالفعل صح ما توقعته المخابرات المصرية إذ أرسل الموساد شخصين للتأكد من وجود والدها في المستشفى الليبي وعندها فقط سمح لها بالسفر على متن طائرة ليبية في اليوم التالي إلى طرابلس.
عندما نزلت هبة عدة درجات من سلم الطائرة في مطار طرابلس وجدت ضابطين مصريين في انتظارها، صحباها إلى حيث تقف طائرة مصرية على بعد عدة أمتار،
فسألتهما: إحنا رايحين فين؟
فرد اللواء حسن عبد الغني: المقدم فاروق عايز يشوفك.
فقالت: هو فين؟.
فقال لها: في القاهرة.
صمتت برهة ثم سألت: أمال أنتوا مين؟!
فقال: إحنا المخابرات المصرية.
وعندها أوشكت أن تسقط على الأرض. فأمسكا بها وحملاها حملاً إلى الطائرة التي أقلعت في الحال، بعد أن تأخرت ساعة عن موعد إقلاعها في انتظار الطائرة القادمة من باريس بالهدية الغالية. لقد تعاونت شرطة المطار الليببي في تأمين انتقال الفتاة لعدة أمتار حيث تقف الطائرة المصرية. .وذلك تحسباً من وجود مراقب أو أكثر صاحب الفتاة في رحلتها بالطائرة من باريس. قد يقدم على قتل الفتاة قبل أن تكشف أسرار علاقتها بالموساد.
بعد أن تم القبض على هبة وأمر الرئيس الراحل أنور السادات اعدامها كان يروي البعض داخل سجن القناطر انها كانت لا تخاف الموت وكانت تقضي معظم وقتها في التزين ووضع افخم العطور الفرنسية وكانها كانت على يقين ان الموساد سيتدخل لبخلصها من حبل المشنقة ولكن الرئيس السادات كان يغلق اي وساطة في أمر الجاسوسة هبة سليم
اعدامها
أما عن عملية إعدام هبة.. فيؤكد ضابط سجن القناطر أنه لم يحضرها ولكن صديق له حضرها.. وحكى له أن السجان بدأ يربط يديها من الخلف ووضع الطاقية السوداء على رأسها ثم قام بوضعها على طبلية الإعدام انتظارا لإشارة مأمور التنفيذ.. ويضيف: أستطيع أن أقول أنه بمجرد فتح الطبلية تشعر بأن قلبك سقط في قدميك.. أما العشماوي فإن اسمه الرسمي الجلاد ومساعده أذكره جيدا حتى يومنا هذا واسمه فتحي سلطان، كلما فتح طبلية الإعدام جلس على الأرض وطلب سيجارة ودخل في نوبة اكتئاب طويلة.. والحق أقول إنني عانيت خلال الـ12 عملية إعدام التي حضرتها من نفس هذه الأعراض.