نشرت جريدة صوت الأزهر، الناطقة باسم الأزهر الشريف في عددها الجديد، مقتطفات من أحاديث سابقة للإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف.
وسلطت الجريدة الضوء على تصريحات شيخ الأزهر، بشأن العقيدة الصحيحة، إذ قال: العقيدة الصحيحة تعني الإدراك الجازم المطابق للواقع الإدراك الذى لا يقبل الشك، وفي الغرب أوهموا الناس أن الأديان هي مشكلة الحياة المعاصرة، وأنه لا بد من استبعاد الأديان وأن نلقى عليها رداء النسيان حتى تستريح الناس وتسلم، وهذا كلام خطأ؛ لأن الحربين العالميتين اللتين قاربت ضحاياهما المائة مليون شخص لم يكن الدّين له فيهما ناقة ولا جمل بل كانتا حرب حضارة، ولما عقدوا مؤتمرًا في أوروبا ووجدوا أن الناس ما زالوا متمسكين بالأديان، قرروا أن تكون المشكلة بعيدة عنهم فنقلوها إلينا، وقالوا إن الحل أن نجعل كل دين من الأديان لا يعتقد أنه يملك الحقيقة المطلقة بما يعني التنازل عن جزء من الدين، وهذا الباب لو فَتِحَ سيكون الكل ملحدًا، ولن يثبت دين واحد وأنا قلت في أوروبا قبل ذلك في ألمانيا والبرتغال إنه لا يمكن أن يكون المسيحي مسيحيًا متدينًا وهو يشك في أصول دينه، وأنا أيضًا لايمكن أن أكون مسلمًا متدينًا إذا كان لدى شك في ديني.
وأضاف شيخ الأزهر، هذا التشكيك فى الأديان يجعلها في مهب الريح؛ لأن الاعتقاد شعور ؛ فلا تبحث عنه ولا ترقى به لمنصة العقل، والحل هنا أن يعتقد كل مؤمن بدين أن دينه هو الحق الذي لا حق سواه، مع ضرورة التسامح واحترام الآخر، وأن يتمسك كل شخص بعقيدته تمسكًا لا تفريط فيه ولا شك ؛ لأن الإيمان الصحيح هو يجب أن يَرْقى إلى رتبة العلم التي هي أعلى مراتب اليقين، وديننا الإسلامي يقول: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، ويقول كذلك (فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُر).
إثبات وجود الله
وتابع شيخ الأزهر، إن كثيرًا من العلماء ذهبوا إلى أن قضية إثبات وجود الله تعالى لم تكن من أولويات القرآن الكريم؛ وذلك لما تتمتع به هذه القضية من يُسْرٍ وسهولة في إثباتها وإدراكها، ولما تتميز به معرفة الله تعالى من حضور مستمر في وجدان الناس جميعًا، وهو ما يُعبَّر عنه أحيانًا بـ «فطرية الشعور بوجود الله، ويقولون: إن الآيات التي جاءت تتحدث عن وجود الله إنما جاءت لتثبت وحدانيته تعالى ونفى الشريك عنه.
واستكمل: فبالرغم من أن الكون محتاج في وجوده إلى الخالق، وأن عقول البسطاء فضلًا عن عقول العلماء والفلاسفة والمفكرين لا تُصدق أبدًا أن يستغنى العالم فى إخراجه من العدم إلى الوجود عن سبب موجد، إلا أن بعضًا ممن يوصفون بالعلم أو الفلسفة أو الفكر تستريح أذهانهم إلى مثل هذا التصور الشاذ، بل المستحيل، إن القائلين بعدم وجود الله لا يصح أن نصنفهم في عداد المسئولين عن حزمة التفكير وقيمة الكلمة ولذلك فإن الإمام أبا حنيفة لما ناظر بعض الملحدين قال لهم: ما تقولون فى رجل يقول لكم إني رأيت سفينة مشحونة بالأحمال مملوءة من الأمتعة، وقد احتوشتها فى لجة البحر أمواج متلاطمة ورياح مختلفة، وهي من بينها تجرى مستوية ليس فيها ملاح يُجربها ويقودها ويسوقها، ولا متعهد يدفعها، هل يجوز ذلك فى العقل؟ فقالوا: لا، هذا لا يقبله العقل، ولا يجيزه الوهم، فقال لهم أبو حنيفة فيا سبحان الله إذا لم يجز فى العقل وجود سفينة تجري مستوية من غير متعهد، فكيف يجوز قيام الدنيا على اختلاف أحوالها وتغير أمورها، وسعة أطرافها، وتباين أكنافها من غير صانع وحافظ ومحدث لها؟، وهذا رد علمي من أبي حنيفة.
وأردف: أن بعض المفكرين المسلمين ردَّ على من يقولون بالصدفة من خلال تقديمه دليلًا رياضيًا بحساب الاحتمالات، وملخص هذا الدليل أنه مع تعدد الحالات الكثيرة جدًا التى نرى فيها نظامًا ودقة، وهي تتخطى مليارات المليارات فأنت أمام أمرين: إما أن تفسرها بفاعل عالم قدير مريد يعلم الأمور وحكمتها وغاياتها ومقاصدها، أو تفسرها بالصدفة، ولو فسرتها بالصدفة فأنت مضطر مع كل مثال أن تفترض صدفة جديدة، وعندما تكثر الصدف فى باب الاحتمالات فإن ذلك يضعفها.
وتابع: أن الفلاسفة والمتكلمين كل منهم له طريق يختلف عن الآخر في الاستدلال على وجود الله، لكن في النهاية يجتمع الاثنان على إثبات وجود الله تعالى وإن طرق الفلاسفة والمتكلمين نشأت في مواجهة الفلسفات والثقافات التي كانت تتحدى الإسلام في ذلك الوقت؛ فمذهب الإمام الأشعرى يُعدُّ إحدى المدارس الكلامية، أجمعت عليه الأمة وجعلته مذهبها في الاعتقاد رغم ما يتعرّض له الآن من تشويه، وهذا المذهب حين أقُصِى من أذهان المثقفين والمفكرين والطلاب والجامعات وقعنا فيما وقعنا فيه الآن من جمود فكري ؛ لأن هذا المذهب هو الوحيد الذي يجعل السلام محورًا لتوجيهات الإسلام سواء في العقيدة أو الشريعة أو الأخلاق
واختتم: بأن منهج القرآن الكريم يعتمد أسلوب الإقناع الذي يلفت نظر الإنسان إلى ما حوله في الكون، ويثير في المشاهد بديهية السببية وبديهية عدم اجتماع النقيضين، مشيرًا إلى أن مثل هذه الأمور لفت القرآن الكريم النظر إليها ثم وجهنا أن نسأل من خلق هذا؟، وهنا يتنبه العقل إلى أن هنالك خالقًا ومديرًا لهذا الكون، وهو الله سبحانه وتعالى.